الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

هيربرت سبنسر

يعتبر سبينسر أحد أكبر المفكرين الإنجليز تأثيرا في نهاية القرن التاسع عشر، و الأب الثاني لعلم الاجتماع بعد أوجست كونت الفرنسي.
 ولد سنة 1820 وتوفي سنة 1903، لأسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة وقد نشأ في أسرة كاثوليكية . وبدأ حياته مدرسا ،ثم عمل مهندسا في السكك الحديدية ،ولكنــه كان مشغولا بالعلوم الاجتماعية والفلسفية والظواهر التي أقدم على دراستها وتحليلها. ولم يلبث أن ترك الوظيفة واشتغل بالأدب والسياسة والاقتصاد و شئون الاجتماع ،وكتب مؤلفات تدل على سعة العرض ودقة التحليل وعمق الفكر. وكانـت مؤلفــاته مـرآة للفكـرة التــي تشـبعـت بــها نفســـه وهـــي « النشوء والارتقاء » فحاول تطبيقها على الكائنات الحية في ميدان علم الإحياء ، وعلى الإنسان في ميدان علم النفس والأخلاق ،وعلى المجتمع في ميدان علم الاجتماع والسياسة .كان سبنسر و ليس داروين ، هو الذي أوجد مصطلح "البقاء للأصلح "، رغم إن القول ينسب عادة لداروين. و قد ساهم سبنسر في ترسيخ مفهوم الارتقاء، و أعطى له أبعادا اجتماعية ، فيما عرف لاحقا بالدار ونية الاجتماعية ، حيث لا مكان للضعيف في سباق الأقوياء.
محافظة ،ولم يتلق التعليم في المدارس النظامية الحكومية منذ البداية، وخاصة أن والده وخاله قاما بتوجيه أولا بدراسة العديد من الكتب والعلوم ولاسيما العلوم الرياضية والطبيعية التي انشغل بها كثيرا ،قبل الاهتمام بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفية ، كما كانت لسبنسر اهتمامات خاصة في علوم الأحياء والكيمياء
فاشتهر بنظريته عن التطور ، وقد استند على هذه النظرية في وضع الأسس لنسق ومنظومة اجتماعية( سوسيولوجية)تؤكد التطور تجاه تعقيد اجتماعي متزايد وارتفاع درجة الفردية ، فالمجتمع في نظره مثل الكائن الحي المعقد ، يتصف بحالة من التوازن الدقيق.
ولقد أدى هذا التأكيد على الفردية والتكيف الطبيعي إلى معارضة الإصلاح من خلال تدخل الدولة.
وعلى هذا فهو ينتمي إلى المذهب العضوي القائم على أن المجتمع شبيه بالكائنات الحية، وأن تركيبه ووظائفه تشبه تركيب ووظائف الكائن الحي. وفي عام 1950 نشر أول كتاب له بعنوان الاستاتيكيا الاجتماعية، وقدم فيه عرضا" تمهيديا" لنظرية السوسيولوجيا حيث أوضح فيه أن التقدم سواء في مجال الكائنات العضوية أو المجتمع إنما هو تطور من ظروف تؤدي فيها الأجزاء المتشابهة وظائف متشابهة، و إلى ظروف تؤدي فيها الأعضاء أو الأجزاء غير المتشابهة وظائف غير متشابهة أي أن الشكل الموحد إلى الأشكال المتعددة أو التجانس إلى اللا تجانس.
أما في الدين ،فهو يرى أنه الإيمان بقوة لا يمكن تصور نهايتها الزمنية ولا المكانية ،ومن آراءه أيضاً أن الأديان على قدر اختلافها في عقائدها المعلنة، تتفق ضمنياً في إيمانها بأن وجود الكون هو سر يتطلب التفسير، ولذا فالدين بالنسبة إليه هو الاعتقاد بالحضور الفائق لشيء غامض وعصي على الفهم ،وأن أقدم دين هو الاعتقاد في الأرواح و عبادتها .
ويرجح أن عبادة الطبيعيات ليست نتيجة التباس عقلي كما زعم تيلور، إنما هي وليدة التباس لغوي في أسماء الأسلاف المقدسين، ذلك أن هؤلاء الأسلاف كانوا يسمون أحياناً بأسماء مفردات الطبيعة، فكان بعضهم مثلاً يسمى نجماً أو نمراً أو حجراً أو....، فانتقل التقديس من أصحاب تلك الأسماء إلى الأشياء المسماة بتلك الأسماء نفسها خلطاً بين الاسم المنقول والاسم الدال على أصل معناه .
يرى سبنسر أن عبادة الأجداد هي المصدر الأول لكل دين فرؤية الوالد الميت في الحلم معناها القول بوجود شبح للوالد ويربط الإنسان بين هذه الرؤيا وبين الجنس البشري فيقول: إذا كان أبي لم يمت، فإني لا أريد أن أموت، إذن أنا لا أريد أن يكون أبي قد مات. فهذا الشبح المشاهد في الأحلام للآباء هو التعبير عن رغبة الإنسان في البقاء الدائم ومن هنا نشأت عادة ـ أو شعيرة ـ تقديم القرابين والأطعمة إلى القبور. وهذه شعائر تحول المقابر إلى معابد وهياكل، والميت الاستثنائي يولد البطل الخالد، وعبادة هذا البطل فيصبح إلها ثم يوضع الآلهة في مراتب متفاوتة ويصبح أحدها ملكاً على سائر الآلهة وما يلبث أن يكتسح سائر الآلهة ويصير هو الإله الواحد الأوحد .
ويرى أن نقطة البداية في الأديان- تبعاً للترتيب التاريخي- هي الواقعة الأولية التي تتعدد فينتج عنها صور مختلفة لا نهاية لها هي ليست شيئاً آخر سوى ما يسميه سبنسر بالقرين فالإنسان يرى في صفحة الماء صورته أو قرينه، وكذلك يرى نفسه في الرؤيا كما يرى فيها صورة غيره من الناس.
فيرى سبنسر أن لكل كائن واقعي قرينه الذي يمكن أن يعتبر روحاً، وقد احتشدت الأرواح الدنيا على مر الزمن تحت سلطان الأرواح العليا التي سميت بالآلهة، ثم انتهت هذه الآلهة ذاتها إلى الخضوع لإله واحد.
إذاً فالدين عند سبنسر كان مقتصراً في بدايته على عبادة طائفة من الآلهة والأرواح، المتشابهة قليلاً أو كثيراً في كل أمة، وتطور الدين إلى فكرة إله مركزي قوي قادر على كل شيء، اتبعته بقية الآلهة فنسق أعمالها، وصلاحياتها .
ويرى سبنسر أن الصدى أو الانعكاس يمثل في رأي هذه الشعوب البدائية أصواتاً ومشاهد لشبح أو أكثر. وكان الواحد منهم يرفض عبور النهر لئلا يختطف التمساح شبحه فيأكله، لقد كان الله في أول الأمر في اعتقادهم شبحاً دائم الوجود، وأن أقوياء الرجال في هذه الدنيا تنتقل قواهم، وسلطانهم إلى أشباحهم التي تظهر بعد موتهم، وكان لابد من استرضاء هذه الأشباح واستعطافها، وتطورت طقوس الجنائز إلى عبادة، وأخذت جميع مظاهر الاستعطاف التي تقدم للزعيم أو القائد على هذه الأرض تستخدم في الاحتفالات والصلوات والتزلف والتقرب إلى الآلهة. وبدأ تقديم الهدايا إلى الآلهة، وتحول الركوع أمام الملك إلى ركوع وسجود أمام محراب الله.ويعتقد سبنسر أن جميع الديانات قد نبعت من هذه العبادات القديمة، كما ويعتقد أن الدين هو الركن الأساسي في حياة الشعوب البدائية البسيطة، فالحياة بينهم وضيعة ومزعزعة،وهم يعيشون على أمل ما سيأتي من الأشياء لا في الحقائق المرئية لها .
ويقول: (عندما نرقب أفكارنا نرى كيف أن من المستحيل التخلص من الشعور بوجود حقيقة كامنة وراء الظواهر، وكيف يترتب من هذه الاستحالة إيماننا القوي الذي لا يتزعزع في وجود هذه الحقيقة ولكن ما هي هذه الحقيقة؟ لا نستطيع أن نعرف .
فهو من الذين يؤيدون النظرية القائلة : أنّ ( الدين كان وليد الجهل بالمظاهر الطبيعية ) ، لاَن الإنسان القديم كان يتألم من تلك المظاهر الطبيعية ، كالزلازل ، والصواعق والفيضانات والسيول ... إلى آخره . وهو لا يعلم مصدرها وعلّتها وكيفية تكونها .وحينما لم يستطع أنّ يعلل تلك الظواهر الطبيعية ، ويحللها ويصل إلى أسبابها الحقيقية كان يضنّ أنّ لكل ظاهرة طبيعية روحاً ، وكان يتخذ من هذه الروح إلهاً .
ولا يخفى أن هذه النظرية ـ كما هو واضح ـ تجعل جهل الإنسان بالسبب الطبيعي للظواهر الكونية أو الطبيعية ، علة لنشوء واعز الدين في نفسه ، فالجهل هو الذي يشده إلى العالم الغيبي ، طلباً للمعونة ، وخوفاً من الأخطار ، فهو يتصوّر أن في تلك الظواهر روحاً لا بد أنّ يتقرب إليها ، ويتملّق لها كسباً لرضاها ، ودفعاً لغضبها ، وعلى هذا لا بدّ أن يزول الدين بمجرد معرفة الأسباب الطبيعية لتلك الظواهر.لكنّ هذا التفسير لا يصمد أمام النقد ، كما أنّ هؤلاء لا يستطيعون أن يقدّموا البرهان الواقعي لفكرتهم ؛ لأننا نرى أن الناس يزدادون تديناً كلما ازدادوا علماً ، بل إن العلماء أكثر تديناً من الجهلاء ، وما ذلك إلاّ لكون العلم لا يؤدّي إلى الإلحاد ، في أيّ عصرٍ من العصور ، فالعالم المنقّب عن الحقائق يجد في هذا الوجود عالماً لا حدود له ، يسوده نظام محكم دقيق ، بلا فوضى ولا اختلاف أو تخلف ، فلا يلبث بعد النظر والتأمّل أن يقع ساجداً لله ، الّذي أوجد هذا الكون العظيم وما يحمل من أسرار وحقائق .

من أهم مؤلفاته:
  • أسس علم الحياة ( من 1864-1867) .
  • أسس علم النفس (1870-1872) .
  • أسس علم الإجتماع (1896-1876).
  • أسس الأخلاق (1879-1893) .
 
بعض المصادر والمراجع

اتجاهات نظرية في علم الاجتماع ،عبدالباسط عبد المعطي .
علم الاجتماع الديني ،عبدالله الخريجي .
علم الاجتماع الديني .

ليست هناك تعليقات: