الاثنين، 13 ديسمبر 2010

الوظائف الدفاعية في السلم

الوظائف الدفاعية في السلم
المراد بالدفاع :
 الدَّفْعُ : مَصْدَرُ دَفَعَ . د ف ع دَفَعَهُ ودَفَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً ، ودَفَعَ عَنْهُ الأَذَى والشَّرَّ ، عَلَى المَثَلِ ، كَمَنَعَ ، يَدْفَعُ دَفْعَاً ، بالفَتْحِ ، ومَدْفَعاً ، كمَطْلِبٍ : أَزَالَهُ بِقُوَّةٍ . ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى : ولَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النّاسَ وإِذا عُدِّيَ بِعَنْ اقْتَضَىَ مَعْنَى الحَمَايَةِ كقَوْلِهِ تَعَالَى : (إِنَّ الله يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) .[1]
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الاِصْطِلاَحِ : فَهُوَ صَرْفُ الشَّيْءِ قَبْل الْوُرُودِ [2] ، وَإِذَا عُدِّيَ بِعَنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْحِمَايَةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا }[3] . [4]
، وَإِذَا عُدِّيَ فِعْلُهُ بِإِلَى كَانَ مَعْنَاهُ الإْنَالَةَ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى : { فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }
تعريف السلم:
- السِّلْمُ لغة: بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا : الصُّلْحُ ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ،وَالتَّسَالُمُ : التَّصَالُحُ ،وَالْمُسَالَمَةُ : الْمُصَالَحَةُ ،وَيَأْتِي السِّلْمُ بِمَعْنَى الإْسْلاَمِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } [5] والإْسْلاَمُ : إِظْهَارُ الْخُضُوعِ والاستسلام وَإِظْهَارُ الشَّرِيعَةِ ، وَالْتِزَامُ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِذَلِكَ يُحْقَنُ الدَّمُ وَيُسْتَدْفَعُ الْمَكْرُوهُ .[6]
اصطلاحا : السِّلْمُ : فِي حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ لاَ يَبْعُدُ عَنْ حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ ، وَلِذَا قَالُوا : هُوَ الصُّلْحُ ، خِلاَفُ الْحَرْبِ ، أَوْ هُوَ : تَرْكُ الْجِهَادِ مَعَ الْكَافِرِينَ بِشُرُوطِهِ ،قَال اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ }[7] .[8]
ومن أنواع السلم :
الْمُهَادَنَةُ وَالْمُعَاهَدَةَ :وهي مُصَالَحَةُ أَهْل الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَال مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ، لاَ تكون الْهُدْنَةُ إِلاَّ بِعَقْدِ الإْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.
الأْمَانُ : رَفْعُ اسْتِبَاحَةِ دَمِ الْحَرْبِيِّ وَرِقِّهِ وَمَالِهِ حِينَ قِتَالِهِ أَوِ الْعَزْمِ عَلَيْهِ ، مَعَ اسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الإْسْلاَمِ مُدَّةً مَا ، ويكون الأمان حتى من عامة المسلم ولو كان من عبد أو امرأة ، مثلما أمنت أم حكيم زوجها عكرمة بن أبي جهل حين فر إلى اليمن وخرجت في طلبه فردته حتى أسلم وثبتا على نكاحهما وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه لما أتت به مرحبا بالراكب المهاجر وقال لأصحابه إن عكرمة يأتيكم فإذا رأيتموه فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يوذي الحي .
الْمُوَادَعَةُ :وَهِيَ الْمُصَالَحَةُ وَالْمُسَالَمَةُ عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ وَالأْذَى ، وَحَقِيقَةُ الْمُوَادَعَةِ الْمُتَارَكَةُ ، أَيْ يَدَعُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ فِيهِ .
عقد الذِّمَّةُ: إِقْرَارُ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ فِي دِيَارِ الإْسْلاَمِ بِشَرْطِ بَذْل الْجِزْيَةِ ،وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الإْسْلاَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ .وهذا يعتبر عقد مؤبد .[9]

الأصل في العلاقة مع الكفار :
الأصل عند جمهور سلف الأمة الحرب مستدلين بقوله تعالى :(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )[10]وقوله (فلا تهنوا وتدعو إلى السلم و أنتم الأعلون)[11] ، ولا يلجأ إلى السلم إلا إذا كان فيه مصلحة للمسلمين ،وكثير من المعاصرين يرون أن الأصل السلم وإنما الحرب ضرورة يلجأ إليها المسلمون لرد العدوان الواقع أو المتوقع من الأعداء عليهم .
وبيان ذلك : أن مشروعية الحرب قد مرت بمراحل لكل مرحلة ظروفها الخاصة بها ،ومن هنا جاءت النصوص الشرعية التي تحدد علاقة المسلمين بغيرهم سلما وحربا ،وهذا يعني أن ظروف أي مرحلة من هذه المراحل إذا تكررت في حياة الأمة الإسلامية فعلى المسلمين تطبيق النصوص الشرعية التي نزلت في هذه المرحلة دون غيرها .[12]

أهمية السلم :
-         أن الكفار إذا تعايشوا مع المسلمين أو تعاملوا معهم ورأوا ماهم عليه من السعادة وحسن التعامل فإنه سيؤثر فيهم ويدخلون في الاسلام .
-         يفرض الاستقرار والنظام والطمأنينة ويوفر الحياة الكريمة والابداع والتطور والازدهار .
-         يضمن الحقوق والحريات .
-          أن فيه التعاون، وتبادل المصالح والمنافع سواء بين الأفـراد أو الجماعات، وهـذا لا يمكن أن يتحقـق في جو التنافر والحرب والخراب والدمار .
-          أنه يدعو إلى الحوار الذي يسعى إلى تبادل وجهات النظـر وإبـداء الرأي والإقناع به ، يقول تعالى: "ادع إلى سـبيل ربـك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"[13]       "لا إكراه في الدين"[14] والرسول صلى الله عليه وسلم مطالب بالتذكير وليس بالإجبار: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر"[15].

-          أنه يحث على تجنب الخصومات والنزاعات لأنهـا لا تفـضي إلا إلى الخسران. ثم إن الخصومات والنزاعــات تؤدي إلى الفتن التي قد تهلك كل شيء.

وظائف الحاكم :  
من أول واجبات الحاكم هو الدفاع عن كيان الدولة وتحصين الثغور، وحماية الرعية، وإعداد العدة الملائمة والقوة الضاربة وتدريب المقاتلة، وتعلم فنون الحرب وكيفية استخدام السلاح المناسب للزمان والمكان، فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم بوصفه القيادي بالإضافة إلى كونه رسولاً مبلغاً عن الله يقوم بإعداد المسلمين لخوض معارك القتال ،وكان الخلفاء يحضون الناس على التدرب على مختلف فنون الحرب وآلاتها،ويحصنون الثغور من أجل الحفاظ على الأمة ورد العدوان عنها، كما هو معروف من تاريخ الفتوحات الإسلامية.
والإسلام دستور المسلمين يفرض دائماً التزام الحذر من العدو، والاستعداد للقائه وإعداد الجنود والأسلحة الملائمة للإرهاب وخوض المعارك، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثُباتٍ أو انفروا جميعاً}[16] {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}[17]فهذه الآية أمر إيجابي بالإعداد الملائم لكل القوى المادية والمعنوية التي يتحقق بها إرهاب العدو.
عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: كانت أموال بني النضير على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركاب، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدةً في سبيل الله عز وجل.[18]
  وقد أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بالتدرب على فنون القتال واستعمال السلاح واقتناء مختلف أنواعه وما جد منه ،ويشرف على ذلك ، قال سلمة بن الأكوع: «مرَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالسوق، فقال: ارموا يا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان...» [19]. وعن عقبة بن عامر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» وقال: «من علم الرمي ثم تركه، فليس منا»[20] ، وأمر عليه الصلاة والسلام أيضاً بصناعة السلاح وحث عليه، فقال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله ، والذي يرمي به في سبيل الله .. »[21] ،وشجع الرسول صلّى الله عليه وسلم كل أنواع السباق الحربي والرياضة الحربية فقال: «لاسَبْق إلا في خف أو نصل أوحافر»[22] ،وكذلك وضع الرتب العسكرية فقد قسم أصحابه إلى عرفاء فجعل لكل عشرة عريفا ،وقائد جيش، وقائد سرية، والخليفة بحيث يكون مسؤولاً عن خمسين ،وأمير الكردوس يكون مسؤولاً عن ألف  .[23]
ونال الإشراف على تدريب الفرسان عند الخليفة الراشد عمر بن الخطاب اهتماماً بالغاً ،فكان يشهد التمرينات اليومية ويختار خيرة المدربين لهذا الأمر ،كما كان يعين العارفين بالخيول وأمراضها للإشراف عليها .
والاهتمام بالعيون وهي ماتعرف بالمخابرات العسكرية  ،و كذلك الحرس لحراسة القادة والمؤسسات والمصانع الحيوية التي هي عماد البلاد .[24]

الآثار المترتبة على السلم :
بمجرد إبرام العقد فإنه يجب الالتزام بمضامينه ، وما يسفر عنه ، فيجب على المسلمين الكف عن المهادنين ، ولا يحل لهم أن يأخذوا شيئاً من أموالهم إلا بطيب أنفسهم ، فإن ذلك العهد في حرمة التعرض للأموال والنفوس بمنزلة الإسلام ، فكما لا يحل شيء من دماء المسلمين وأموالهم ، فكذلك بالنسبة للمعاهدين ، ومن أتلف من المسلمين أو من أهل الذمة عليهم شيئاً فعليه ضمانه وعلى الامام ان يقيم ذلك  ،قال تعالى:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)[25] ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) [26] .
هذه الصور الناصعة في المعاملات حتى مع الكفار ، مادام وقد أعطوا العهود والمواثيق ، بل لذلك أثر ذلك حتى في نفوس هؤلاء المعاهدين ، والتاريخ الإسلامي يشهد بمثل تلك المواقف المشرقة والمبادئ العظيمة:
[                فمن ذلك مثلاً : في عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد([27])t لأهل الحيرة بالعراق ، وكانوا من النصارى ، وفيه : ’’وجعلت لهم أيما شيخ ضعيف عن العمل ، أو أصابته آفة من الآفات ، أو كان غنياً فافتقر ، وصار أهل دينه يتصدقون عليه ، طرحت جزيته ، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله‘‘([28]).
[                ورأى عمر بن الخطاب t شيخاً يهودياً يسأل الناس ، فسأله عن ذلك ، وعرف أن الشيخوخة والحاجة ألجأته إلى ذلك ، فأخذه وذهب به إلى خازن بيت مال المسلمين وأمره أن يفرض له ولأمثاله من بيت المال ، وقال في ذلك : { ما أنصفناه : إذا أخذنا منه الجزية شاباً ثم نخذله عند الهرم }‘‘([29]).
[                والمتأمل كذلك للحالة التي كانت عليها الأقليات غير المسلمة عند ما حكم المسلمون بلاد الأندلس وكيف عاش هؤلاء تحت ظل الدولة المسلمة آمنين على أنفسهم ، مطمئنين على ممتلكاتهم لهم حرية العبادة … الأمر الذي أثر في نفوس الكثير منهم حتى أن بعضهم اعتنق الإسلام([30]).
ومن معالم العلاقة مع غير المسلمين بصفة عامة تعظيم ما يعقد معهم من عقود الأمان والتي تمثلها المعاهدات والاتفاقات الدولية المعاصرة على مستوى الدول، أو تأشيرات الدخول والاستقدام على مستوى الأفراد ،والأمان عهد بالسلامة من الأذى، ويعرفه الفقهاء بأنه عقد بين المسلم وغير المسلم على الحصانة من لحوق الضرر من كل منهما إلى الآخر، سواء منه أو ممن وراءه ، إلا بحقه، ومثله الجوار، وقد عنون البخاري في صحيحه فقال : ( باب أمان النساء وجوارهن ) فإذا أعطي الأمان أهل الحرب حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم .[31]


تطبيقات السلم :
       
صلح الحديبية : أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث سفيراً يؤكد لدي قريش موقفه وهدفه من هذا السفروهو أنه جاء معتمرا لا محاربا ،فأرسل في ذلك عثمان بن عفان بإشارة عمر ،فلما رجع عثمان منهم ، أسرعت قريش إلى بعث سُهَيْل بن عمرو لعقد الصلح، وأكدت له ألا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال : ( قد سهل لكم أمركم ) ، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فجاء سهيل فتكلم طويلاً، ثم اتفقا على قواعد الصلح، وهي :
1 . الرسول صلى الله عليه وسلم يرجع من عامه، فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القُرُب، ولا يتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرض .
2 . وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض .
3 . من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق .
4 . من أتي محمداً من قريش من غير إذن وليه ـ أي هارباً منهم ـ رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد ـ أي هارباً منه ـ لم يرد عليه .
ثم دعا علياً ليكتب الكتاب، فأملي عليه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل : أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللّهم . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . ثم أملي : ( هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ) فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله فقال : ( إني رسول الله وإن كذبتموني ) ، وأمر علياً أن يكتب : محمد بن عبد الله، ويمحو لفظ رسول الله، فأبي على أن يمحو هذا اللفظ . فمحاه صلى الله عليه وسلم بيده، ثم تمت كتابة الصحيفة، ولما تم الصلح دخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب، كما قدمنا في أوائل الكتاب، فكان دخولهم في هذا العهد تأكيداً لذلك الحلف القديم ـ ودخلت بنو بكر في عهد قريش .[32]
إبّان صلح الحديبية نجد أنه استغل صلى الله عليه وسلم هذا الصلح لتحقيق التعبئة في صفوف المسلمين ، فحقق للإسلام بعد ذلك الانتصارات ، وأعطت هذه المرحلة للمسلمين فرصة كبيرة ، لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها ، وبرز نشاطهم في هذا الوجه وذلك عن طريق مكاتبة الملوك والأمراء ، ثم عن طريق النشاط العسكري المتمثل في السرايا والغزوات([33]).
خيبر :
 لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ - وَكَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً وَبَعْضُهَا صُلْحًا - فَفَتَحَ أَحَدَ جَانِبَيْهَا صُلْحًا وَتَحَصَّنَ أَهْلُ الْجَانِبِ الْآخَر فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَسَأَلُوهُ الصُّلْحَ ، وَأَرْسَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْزِلُ فَأُكَلِّمْك ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ فَنَزَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَصَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِي حُصُونِهِمْ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَرْكِ الذُّرِّيَّةِ لَهُمْ ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ وَأَرْضِهَا بِذَرَارِيِّهِمْ ، وَيُخَلُّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَرْضٍ ، وَعَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلَقَةِ ، إلَّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ .فَقَالَ رَسُولُ ، اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمْتُمُونِي شَيْئًا فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَلِكَ .[34]
وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم الصلح مع أهل الطائف عندما غزاها وكتب الصلح على الاسلام فلهم ما للمسلمين وأن بلدهم آمن وحرام .
وصالح أهل نجران على دفع الجزية واشترط عليهم ألا يأكلوا الربا  ولا يتعاملوا به .
و دخل أبو عبيدة حلب و على مقدمته، عياض بن غنم ، فوجد أهلها قد تحصنوا، فنزل على حصنهم فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح و الأمان على أنفسهم، و أولادهم و سور مدينتهم و كنائسهم و منازلهم، فأعطوا ذلك و استثنى عليهم موضع المسجد.[35]






المراجع
الموسوعة الفقهية الكويتية .
لسان العرب،لابن منظور .
 المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي .
 التعريفات ، الجرجاني .
 الموسوعة الفقهية الكويتية .
الحرب في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام ،عبدالله العلي .
دار الإسلام ودار الحرب وأصل العلاقة بينهما ،عابد السفياني .
الأحكام السلطانية ، للماوردي .
كتاب الخراج ، لأبي يوسف .
المفصل في شرح الشروط العمرية ، علي بن نايف الشحود .
المنهج المسلوك في سياسة الملوك ، عبد الرحمن الشيزري .
الأحكام السلطانية ، لأبي يعلى الفراء
التراتيب الإدارية ( نظام الحكومة النبوية ) ، عبد الحي الكتاني .
الرحيق المختوم ،المباركفوري
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ، ابن قيم الجوزية .
الخراج و صناعة الكتابة ، قدامة بن جعفر .
مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر الرازي .
الفقه الإسلامي وأدلته ، وهبة الزحيلي .
النظم الإسلامية التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية .شحادة الناطور،أحمد عودات،جميل بيضون،علي عكاشة .


[1]أنظر : تاج العروس من جواهر القاموس - (20 / 553)
مختار الصحاح - (1 / 218)
[2] النساء (6)
[3] الحج (38)
[4] أنظر : الموسوعة الفقهية الكويتية(21-5 )
[5] سورة البقرة / 208 .
[6] أنظر : لسان العرب، المصباح المنير، التعريفات – الجرجاني
[7] الانفال (61)
[8] أنظر : الموسوعة الفقهية الكويتية - (25 / 230)

[9] أنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية - (25 / 230
[10] الأنفال 39
[11] محمد (35)
[12] أنظر:الحرب في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام ،عبدالله العلي .دار الإسلام ودار الحرب وأصل العلاقة بينهما ،عابد السفياني .
[13] سورة النحل -الآية 125
[14] سورة البقرة -الآية 256
[15] سورة الغاشية -الآيتان 21 ـ 22
[16] النساء:71
[17] الأنفال 6
[18] رواه مسلم
[19] رواه البخاري
[20] رواه مسلم  
[21]رواه أحمد  
[22] رواه أحمد
[23] أنظر:الأحكام السلطانية للماوردي ، الفقه الإسلامي وأدلته - (8 / 483)

[24] أنظر :النظم الإسلامية التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية .لمجموعة مؤلفين .
[25] النساء (92)
[26] صحيح البخاري برقم : (2995)
[27]   ـ  خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي سيف الله ، أبو سليمان ، أمه لبابة
           الصغرى بنت الحارث بن حرب الهلالية ، كان أحد أشراف قريش في الجاهلية ، وكان إليه أعنة الخيل في الجاهلية     
           وشهد مع كفار قريش الحروب إلى عمدة الحديبية ، ثم أسلم سنة سبع بعد خيبر ، لقبه رسول الله
r
بسيف الله . مات
           بمدينة حمص سنة [21هـ]. انظر : الإصابة لابن حجر : [2/255] ، سير أعلام النبلاء للذهبي : [1/366] ،  
           الثقات لابن حبان : [3/101].
[28] ـ   انظر : كتاب الخراج لأبي يوسف : [ص : 144] – كتاب الخراج : يعقوب بن إبراهيم ( أبو يوسف ) صاحب
           أبي حنيفة ، المطبعة السلفية ومكتباتها ، القاهرة ، ط 4 [1392هـ].
[29]   ـ  نفس المصدر : [ص : 126].
[30]   ـ  يمكن أن يراجع في ذلك كتاب الأقليات غير المسلمة في المجتمع الإسلامي ، لمؤلفه دندل جبر ، نشر و توزيع : دار
         عمار للنشر والتوزيع ، عمان .
[31]انظر :
المفصل في شرح الشروط العمرية - (2 / 150)
المنهج المسلوك في سياسة الملوك - (1 / 607) الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء - (1 / 27)



[32] أنظر: التراتيب الإدارية ( نظام الحكومة النبوية ) - (1 /  195) .الرحيق المختوم ،المباركفوري 308)

[33]   ـ  انظر : الرحيق المختوم للمباركفوري : [348] .
[34] أنظر : الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ـ - (1 / 7)

[35] . التراتيب الإدارية ( نظام الحكومة النبوية ) - (1 / 196
انظر : الخراج و صناعة الكتابة - (1 / 228 الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء -148

ليست هناك تعليقات: