الاثنين، 13 ديسمبر 2010

نشأة حقوق الإنسان في الغرب

الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرمه ، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين .. وبعد :
فإن قضية "حقوق الإنسان" من أكبر القضايا التي تشغل العالم اليوم بمختلف دوله وشعوبه ، ودياناته وجنسياته ، وفئاته وطبقاته ، بين محقّ فيها ومبطل ، واستناداً لهذا المصطلح "حقوق الإنسان" ، ضيعت حقوق وواجبات ، وأشعلت حروب وأزهقت نفوس ، بل وأزيلت دول واستبدلت أنظمة
، ونتيجة لتسلط العالم الغربي بطرحه الفكري والإعلامي وقوته المادية ، شاب هذه القضية الشوائب ، واستغلت من قِبَله أبشع استغلال.

تضافرت جهود الأمم لإيجاد مرجعية فكرية وثقافية لحقوق الإنسان، لارتباط حقوق الإنسان بتراثها، وشغلت قضية حقوق الإنسان حيزا كبيرا عبر التاريخ لدى مختلف النظريات الفلسفية والسياسية، وتعاليم الأديان ، ولقد تداخلت عوامل كثيرة منذ القدم في عملية تطوير الحقوق والحريات والتي تدور في حلقة علاقة الفرد بالسلطة بمختلف أشكالها.
فأنصار الحضارات القديمة الفرعونية وحضارة ما بين النهرين والهيلينية (اليونان والرومان) يرجعون حقوق الإنسان إلى تراث هذه الحضارات رغم أن هذه الحضارات كانت تعلي من شأن السلطة الدينية على حساب حقوق الأفراد، وكانت تقوم على تقسيم الأفراد طبقاً لطبقات اجتماعية.
أيضا ساهمت الديانات السماوية في تشكيل  الجذور الروحية لحقوق الإنسان كما عند اليهودية (وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس...) .
ففي الحضارات القديمة مثلا قانون (صولون الإغريقي) والذي صدر سنة ( ٥٩٤ ق .م) والذي كانت له مكانة متميزة ضمن مسيرة تطور حقوق الإنسان وذلك لما تضمنه من مبادئ وحقوق إنسانية، وبموجب هذا القانون منح الشعب حق المشاركة بالسلطة التشريعية عن طريق مجلس النواب الذي كان يطلق عليه ب (مجلس الخمسمائة) وهو (مجلس شعبي ينتخب من قبل قبائل أثينا العشرة)، كما أقام صولون بموجبه قانون محكمة استئنافية من أفراد الشعب وأعطى للشعب حق انتخاب قضاته، ونص على تحريم نظام (استرقاق المدني) وإلغاء جميع آثاره.
أما قانون (الألواح الاثني عشر) الروماني فقد تضمنت بعض مبادئه، إشارة إلى مبادئ حقوق الإنسان المعروفة حاليًا، وأهمها مبدأ المساواة بين أفراد الشعب، فبعد أن كان الشعب مقسمًا إلى عدة طبقات غير متساوية في الحقوق والواجبات والامتيازات، تضمن هذا القانون أحكامًا تفيد أعمال مبدأ المساواة أمام القانون وإزالة الفوارق بين الفقراء والأغنياء .

وانضم إلى أنصار الحضارات القديمة والديانات السماوية أنصار النظريات الفلسفية الكبرى مثل مدرسة القانون الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي :فنظرية القانون الطبيعي تدور حول فكرة أن الطبيعة هي الحجر الأساسي لصلاحية النظام القانوني للمجتمعات ،وهذه الطبيعة تجعل كل البشر متساويين ومتشابهين لأنهم جميعاً يمتلكون العقل.
ومن أبرز مفكري نظرية القانون الطبيعي: شيشرون (106-43ق.م) والقديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر .
أما نظرية العقد الاجتماعي: فتعتبر امتداد لنظرية القانون الطبيعي إذ تصور خروج الإنسان من حالته الفطرية ليصبح عضواً في مجتمع منظم. وهي تقوم على فكرة العقد القائم على اتفاق الجماعة لإقامة نوع من التنظيم الذي يضمن لها الأمن والاستقرار، وأنصار العقد الاجتماعي يفسرون ظاهرة وجود سلطة أو دولة و نشأتها تكون نتيجة اتفاق بين الأفراد تعاقدياً، في إطار المجتمع.
وبرزت نظرية العقد الاجتماعي في القرن السابع والثامن عشر مع بروز الأفكار الليبرالية في أوروبا.
وفكرة العقد الاجتماعي استعملت أساساً عند الكثير من المفكرين والفلاسفة لمقاومة السلطة المطلقة واستبداد الأمراء والملوك ولضمان حرية الفرد من تسلط الحاكم، وبصورة مغايرة استخدم البعض أفكار العقد الاجتماعي ليبرر أنظمة الحكم الاستبدادي والحق المطلق للملوك.
ومن أبرز مفكري هذه النظرية: توماس هوبز ، وجون لوك .

إضافة للأفكار والاجتهادات التي وردت في الحضارات القديمة وتعاليم الأديان السماوية ونظريات الفلاسفة والمفكرين، فلا نستطيع أن نغفل المرجعيات القانونية لحقوق الإنسان قبل مرحلة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان خاصةً في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ،ومنها :
الشرعة العظمى ( المجنا كارتا- (
magna carta  1215: أصدرها الملك جون ابن الملك هنري الثاني ملك إنجلترا وعرفت بالعهد الأعظم وهذا العهد هو رمز سيادة الدستور على الملك وجاء فيها "لن يقبض على رجل حر أو يسجن أو يشرد أو ينفى أو يقتل أو يحطم بأي وسيلة إلا بعد محاكمة قانونية من نظرائه أو طبقاً لقوانين البلاد وكذلك لن نبيع رجلاً أو ننكر وجوده أو نغمضه حقاً أو نظلمه".
وتحتوي المجنا كارتا على 63 مادة منها ما ينظم العلاقات بين الملك والبارونات ويكرس حقوق الإقطاعيين وحمايتهم من تدخل الملك ورجاله ومنها ما يتعلق بحريات دينية وتأمين امتيازات الكنيسة ومنها ما ينص على حقوق وحريات سياسية ومدنية مختلفة للشعب الإنجليزي وخاصةً ضمانة الحرية الشخصية دون تمييز الطبقات الاجتماعية وتأمين العدالة بواسطة قضاء مستقل ونزيه  ،  ولأعطاء الفاعلية لهذه الوثيقة قررت المادة 25 منها إنشاء هيئة مؤلفة من 25 نبيلاً عهد إليها مراقبة تنفيذ بنودها.
عريضة الحقوق "
Petition of Right " صدرت عام 1628 في إنجلترا وهي عريضة رفعها البرلمان للملك شارل الأول يذكره فيها بحقوق وحريات الشعب الإنجليزي وتأكد في العريضة عن مبدأين أساسيين: احترام الحرية الشخصية وحفظها عن طريق منع التوقيف التعسفي بدون محاكمة ،وعدم فرض ضرائب جديدة بدون مراقبة البرلمان، وجاء فيها " لا يسجن أي شخص إلا بتهمة حقيقية محددة ولا تعلن الأحكام العرفية وقت السلم".
مذكرة الإيباس كوربس  "
habeas corpus "التي صدرت عام 1679 والتي تعني "إليك جسدك" في إنجلترا لتأكيد حماية الحرية الشخصية من تعسف الإدارة، وتتعلق الوثيقة أساساً بحقوق المتهم وعدم اعتقاله بصورة تعسفية كما تؤكد على قواعد وأصول المحاكمة العاجلة ومعاملة الموقفين والسجناء وخاصةً فيما يتعلق بالتوقيف الاحتياطي وتقصيره إلى أدنى حد ممكن، ونصت على "الأمر الذي يصدره القاضي أي هيئة المحكمة إلى المسؤول الذي يتولى سجن شخص ما ليحضر السجين فوراً إلى المحكمة لتنظر بأمر قانونية سجنه وتتولى محاكمته هي أو محكمة أخرى"، كما تضمن قانون الإيباس كوربس عقوبات شديدة بحق كل  قاضي أو أي مسئول آخر يخالف أحكامه في إصدار أو تنفيذ أمر إحضار السجين كما تضمن إلزام المخالف بتعويض لمصلحة السجين.
شرعة الحقوق “
Bill of Right صدرت في إنجلترا وأكدت أنه ليس للملك سلطة إيقاف القوانين أو الإعفاء من تطبيقها وليس له فرض ضرائب من غير موافقة البرلمان ونصت على حق الرعايا في تقديم العرائض والالتماسات للملك دون أن يرتب على ذلك نتائج معينة كالسجن أو الملاحقة، كما جعلت الشرعة عملية انتخاب أعضاء البرلمان تجرى بطريقة حرة ،ونصت على حصانة النائب بأن لا تحق ملاحقته عن كل ما يقوله ويكتبه أثناء الجلسات وأمام أي هيئة خارج إطار البرلمان نفسه.
إعلان فيرجينيا 1776 : جاء نتيجة استقلال ولاية فيرجينيا عن العرش البريطاني وكان له أهمية بالغة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ،وأكد الإعلان على الحرية الدينية، بالإضافة إلى الحريات الشخصية والسياسية ومن أهمها المساواة وعدم التمييز بين المواطنين، وحرية الانتخابات وحق الملكية للمصلحة العامة ،والحق في حرية الرأي والتعبير ،وإلغاء العقوبات الجسيمة .
إعلان الاستقلال 1776 : صدر عقب استقلال المستعمرات الأمريكية الثلاثة عشر عن بريطانيا وأكد الإعلان الحقوق الطبيعية والأساسية للإنسان ونص على " يولد جميع الناس أحراراً وقد وهبها الناس حقوقاً لا يعقل أن يتخلى عنها من بين هذه الحقوق الحق في الحياة والحرية والبحث عن السعادة ،ويجب على الحكومات القائمة أن تعمل على ضمان هذه الحقوق وأن تمد سلطانها العادل من رضا المحكومين ومن حق الشعب إذا ما أخلت الحكومة بهدف من هذه الأهداف أن يغيرها أو يلغيها ثم يقيم بدلاً منها حكومة يضع أسسها على مبادئ وينظم سلطانها بالصيغة التي تحقق له المن والسعادة  .

هذا والله تعالى أعلم ,,,





المراجع والمصادر

حقوق الإنسان ومعاييرها الدولية ،كمال سعدي مصطفى ،العراق .
حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون ،منير البياتي .
موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام ،عدنان الوزان ،مكة المكرمة .
حقوق الإنسان ، محمد الغزالي، دار نهضة مصر،ط الأولي .
حقوق الإنسان الثقافية بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية،د. داود حلس
حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر الغربي ،محمد فتحي عثمان ،دار الشروق .
مقال :نشأة وتطور القانون الدولي لحقوق الإنسان .  http://www.gohod.net/node/40
:تطور القانون الدولي لحقوق الانسان في ظل نشأة الأمم المتحدة .لعادل عمر . http://adelamer.sos4um.com/montada-f35/topic-t787.htm
مقال : نشأة القانون الدولي لحقوق الإنسان  . مقال : مقال القانون الدولي لحقوق الإنسان  عبد العزيز محمد هنيدي صحيفة الاقتصادية .
مقال :الإسلاميون وحقوق الإنسان ، منصور الجمري  .

ليست هناك تعليقات: